بسم الله الرحمن الرحيم
القول في أسلمة سلاطين التتار
قال القونوي : والحق إن الباحث في إسلام شخصيات مغولية بارزة في أوائل عهد هذه الدولة الإلخانية وغيرهم من أمرائهم ليشك في أنه إسلام عن قناعة وإخلاص .
فبركة خان (ت 665 هـ ) أحد ملوكهم أسلم على يد مريد من أتباع الطريقة الكبروية التي تنسب إلى نجم الدين الكبرى (ت 618 هـ ) الذي مات وهو يقاتل مع مريديه المغول ، ومعلوم أن الخلاف بين بركة وهولاكو كان متقدما على إسلامه فكأنه إسلام حسب فيه حسابات الله أعلم بكنهها تشبه ما كان يبرمه بایجو نوین (ت 656 هـ ) أحد قتلة المسلمين ببغداد الذي سمع هولاكو بخططه للانفراد بحكم الأناضول فسقاه سما بعد الانتهاء من تدمير بغداد، ويبدو أن بايجو مهّد لذلك في الأناضول بتسريب خبر إسلامه، وبالإيعاز لشيوخ الصوفية بالدعاية له بين الناس فلذلك ما كان الجلال الرومي يقول عن بايجو في أحايين كثيرة: (بایجو ولي، لكنه لا يعلم أنه ولي).
وكان الصوفي عبد الرحمن النجار الذي ذكر أخبر المؤرخ به محيي الدين بن عبد الظاهر (ت 692 هـ ) أنه صاحب مخاريق وأنواع من الحيل نال بها رتبة المستشار والوزير عند المغول هو الذي اقترح على ملكهم أحمد بن هولاكو (ت 682 هـ ) الذي قتل بعد، اقترح عليه أن يُسلم على جهة المكر والخداع حتى يطمئن من جهة المماليك ويتفرغ لقتال قومه وأقاربه وولد أخيه، وهذا هو المنتظر من صوفي ساحر، وأكبر الظن أنه قلندري أراد أن يخدع المسلمين بصلح دخله الغدر عند الفرصة المناسبة.
وقد ذكروا أن سبب إسلام أحمد بن هولاكو المذكور هم الأحمدية الرفاعية عندما كانوا بحضرة هولاكو يظهرون بعض شيطنتهم ومخاريقهم فأخذوا ابنه أحمد ودخلوا به النار، فلما لم يصبه شيء فوهبه لهم فلا يبعد على هذا أن يكون شيخه الذي رباه (الصوفي عبد الرحمن) من زمرة الأحمدية .
وكذلك كان غازان وخربنده ومن كان بعدهما زعموا الدخول في الإسلام وهم يقرّبون الباطنية والقلندرية والرافضة واليهود والنصارى، ويعظمون أحكام جدهم الوثني جنكيز خان التي يضعونها في منزلة الكتب السماوية، كما يقارنون بين اسم واضع هذه (الياسا) واسم سيد البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم .
وكان إيمان غازان من الهشاشة بحيث همّ بالردة عن الإسلام عندما قيل له إن الإسلام يحرم أن ينكح الرجل ما نكح آباؤه لكن جوابا زور له من أحد العلماء جعله يتراجع عن إعلان ردته .
وقد سأل ابن نوح القوصي أحد قضاة المغول كيف يزعم غازان الإسلام وقد نكح زوجة أبيه ؟ فقال إن الذي أفتاه بذلك هو الناظر على المدارس أصيل الدين بن النصير الطوسي (ت 715 هـ) زاعما أن ذلك على مذهب الشافعي.
واستمر هذا الخلل العقدي الكبير فيهم دهرا طويلا بعد تأسلمهم .
حكی صاحب (النجوم الزاهرة) أمرا عجبا في ذلك، وهو أن أميرا مملوكيا اسمه بيبغا المظفري (ت ۸۳۳هـ) بدا أنه من أصل مغولی کفَّر أميرا مملوكيا آخر، وأراد قتله لمجرد استخفافه بجنكيز خان .
فلا يظن ظان في تاريخهم أنهم عند دخولهم الإسلام جعلوا كل ما سواه وراءهم ظهريا .
ثم إن دعاتهم إلى الإسلام كانوا محتاجين إلى دعاة يدعونهم، وقد ذكر ابن تيمية من حالهم التي رآها بعد إسلامهم، فقال: إنه كانت لهم أصنام صغار من لبد وغيره، يتقربون إليها كما كانوا يعظمون النار ولا يعلمون تحريم ذلك في الإسلام.
وعلى الجملة فإن ظلم المغول قد خف نوعا ما على المسلمين مع أسلمة غازان وأمراء المغول وبخاصة في أيام أبي سعيد (ت ۷۳۹هـ).
أما المماليك فعلى ما قدموه للمسلمين من خير ودفاع عنهم، فإنهم أهملوا المفسدين الداخليين من هؤلاء الفقراء القلندرية المخربين، بل وكان منهم كما رأيت آنفا من يدعم نهجهم ويكثر عدیدهم.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar