بسم الله الرحمن الرحيم
شخصيات قلندرية
رَتَن الهندي ت 632 هـ
إنّ في الدنيا بلايا ومِحَن
وجنونا وفنونا وفتن
ولقد طمَّ على الكل الذي
اختلقوه بيضة الهند رَتَن
قال القونوي : أرجح أن يكون هذا الصوفي الذي أشهرته الصوفية وصدقته قلندريا ماكرا أوتي قدرة من الذكاء والعلم وكثيرا من الخبث، قد سئم تطوافهم في الديار، فأحب أن يقصده الناس بعد أن كان يتكففهم، فاخترع فرية صحبته للنبي وكذب كذبة ضخمة لكي تنصلح خابية الصباغ فرحل إليه كل فقير عقل و دین .
والذي أدى بي إلى أن أسوقه في جملتهم الشبه الكبير بينه وبين علمبردار القلندري الذي لا أدري أيهما كان إلى هذه الدعوى أسبق، تلك الدعوى التي أظهرها صوفي معاصر لهما من ماردين سنة 599 هـ يقال له الربيع بن محمود المارديني
وأخرى أني رأيت الإمام الصغاني (ت 650هـ) حين أنكر عليه في بعض تصانيفه ذكر أن الحديث عن رتن وتصديقه في ادعائه لقاء النبي
إنما يتناقلها الفقراء (هم زمر القلندرية) في زواياهم، وأن دين الله تعالى أشرف من أن يؤخذ من جاهل أو يثبت بقول غافل غبي" كما قوى ما ذهبت إليه قول الإمام علم الدین البرزالي (ت۷۳۹هـ) عن رتن: «هو من أحاديث الطرقية» أولئك الطرقية ومنهم المدارية القلندرية الذين يقومون بسدانة قبره المزعوم بالهند وتعظيمه منذ خمسة قرون.
فمن هو بابا رتن الهندي أو الخواجه رطن ؟
اختلفوا في اسمه، ولكنني أثبت هنا ما أثبته مؤرخ الهند عبد الحي الحسني في ترجمته هو الشيخ المعمر: أبو الرضا رتن بن کربال بن رتن الهندي البهتندوي
أما عمره فليس فيه ما يقطع به سوى أنه هلك وهو شیخ هرم، وقد ذكر الذهبي رحمه الله أنه من أبناء التسعين، وأنه في زعمه - أعني رتن - ابن 650 سنة.
وكان له ابن اسمه محمود (كان حيا سنة ۷۰۹هـ) ثقف الكذب عن والده رتن فكان ينشر أكاذيب أبيه، ويحدث الناس عن نفسه أنه بلغ من العمر مئة وسبعين سنة !! وأن أباه أدرك ليلة شق القمر، وحفر الخندق، وأنه أهدی للنبي سلة فيها تمر هندي !! فأكل منها ودعا له بطول العمر .
وتلقف الصوفية أكاذيب هذا الدجال بالقبول، ذلك أنهم مهيؤون تفكيرا واعتقادا لكل ما يضاد العقل والدین ، من أولئك : عبد الغفار بن نوح القوصي (ت۷۰۸هـ) وعلاء الدولة السمنانی (ت۷۳۹هـ)، وزعيم كبير للنقشبندية هو الخواجة محمد پارسا (ت ۸۲۲هـ) وقبلهما المدعو : رضي الدین لالا (ت 642 هـ )، أحد أصحاب نجم الدين الكبري (ت618هـ)، ذكروا أنه أخذ عن رتن أكاذيبه التي وضعها، وأنه أهداه مشط النبي
كذلك رواة أحاديث الرتنيات كلهم صوفية ولعل بينهم من يقول بالوجودية فقد استطرد الذهبي في كتابه (کسر وثن رتن) الذي نقل لنا الحافظ ابن حجر فقرات منه، إلى ذكر غلاة الصوفية، و القلندرية بزمرها كانوا بين الكثير الذين أخبر عنهم الحافظ خليل بن كيكلدي العلائي (ت ۷۹۱هـ) بأنهم أولعوا بحديث بابا رتن" وهذا هو المفهوم من رواية لابن نوح القوصي في كتابه (الوحيد) فقد كان أربعمئة فقير أي قلندري يحومون حول مرید رتن الهندي المدعو كمال الدين الشيرازي
ومن الفروق بين رتن وعلمبردار أن الأول أكثر جرأة حين لم يكتف بدعوى الصحبة بل زاد على ذلك الكذب وافتراء الأحاديث، وليس ببعيد ما قاله الذهبي رحمه الله من أن غيره ربما وضع الأحاديث على لسانه، واتهم من سماه بعض الصوفية بصفوة الأولياء موسی بن مجلي بن بندار الدنيسري، والحق أن غيره منهم أيضا، وهم بوصف سلسلة الكذب جديرون.
فمنهم: عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز السمرقندي، ومحمد بن عبد الرحمن الكاشغري، وعثمان بن أبي بكر الأربلي، وأبا بكر المقدسي الذي زعموا أنه عمر ثلاثمئة سنة، وهمام الدين السهرکندي، وداود بن أسعد القفال المنحروري، وكما الدين الشيرازي وغير هؤلاء.
والعجب كل العجب لقول الرحال جمال الدين الأقشهري (ت ۷۳۱هـ) لسند فيه بعض هؤلاء إنه سند يتبرك به، وإن لم يوثق بصحته
قال القونوي : وقد لفت انتباهي وأنا أطالع ترجمة رتن في المصادر أنه أعجمي طمطم لا يتكلم العربية مع من قصده من العرب بل يحكي لهم أكاذيبه بالفارسية وكان المترجمون حوله يترجمون كلامه، فهل تراه نسي العربية التي سمع بها الأحاديث المزعومة من فم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وقد بدا لي أنهم لا يتركون مجال کلام لزواره العرب الذين قصدوه خوف أن يسأل بعض الأسئلة التي يفرضها العقل الصحيح فيفتضخ، كما تلمح ذلك في قصة أبي مروان الأندلسي الذي خرج من بلده سنة 617 هـ . وتجول في البلاد وسمع به وبدعواه فقصده ، فأدخلوه عليه وسمع منه فلما سكت رتن قال القائم على أمره: يكفيك أي لا مجال لحديث آخر ومعنى ذلك بلغة العصر : انتهت الزيارة!!
وقد قلد هذا الرتن في ادعاء التعمير أناس كما بدا لي في تلك الديار التي قل فيها نور العلم وسراج العقل، منهم الشيخ العريان وهو من الأدهميين وهي زمرة من القلندرية ، فقد لقيه ابن عربشاه (ت 854 هـ) بسمرقند، وحدثوه أنه ابن خمسين وثلاثمئة سنة وهذا الاستعداد لتصديق خرافة الأعمار الطويلة في القرى النائية والبلاد المحرومة من العلم الشرعي الصحيح نفهمه من شهادة الفيروز أبادي (ت۸۱۷هـ) الذي دخل ضيعة رتن عندما زار الهند ووجد فيها من لا يحصون كثرة ينقلون عن آبائهم قصة رتن ويثبتون وجوده. أما الفيروز أبادي الذي لقي أصحاب أصحاب رتن المصدقین دعواه الصحبة فأكد ما ينتظر من شيخ اللغة عندما قال : رتن بن کربال... ليس بصحابي وإنما هو كذاب .
وأختم ترجمة رتن بمقتطفات من كلام الذهبي وابن حجر فيه . قال الذهبي : رتن الهندي، وما أدراك ما رتن شيخ دجال بلا ریب، ظهر بعد الستمئة ، فادعى الصحبة والصحابة لا يكذبون .. ، ... فهو إما شیطان تبدی في صورة بشر فادعى الصحبة وطول العمر المفرط، وافترى هذه الطامات ، وإما شيخ ضال أسس لنفسه بيتا في جهنم بكذبه على النبي ... وينبغي أن تعلموا أن همم الناس ودواعيهم متوفرة على نقل الأخبار العجيبة، فأين كان هذا الهندي مطمورا في هذه الستمئة سنة ؟ أما كان الأطراف يتسامعون به وبطول عمره، فيرحلون إليه في زمن المنصور (ت۱۰۸ هـ) والمهدي (ت۱۹۹هـ ) ؟ أما كان متولي الهند يتحف به المأمون (ت۲۱۸هـ)؟، أما كان بعد ذلك بمدة متطاولة يعرف به محمود بن سبكتكين (ت 421 هـ ) لما افتتح بلاد الهند، ووصل إلى البلد الذي فيه البُدّ، وهو الصنم المعظم عندهم، وقضيته في ذلك مشهورة مدونة في التواريخ ولم يتعرض أحد ممن صنفها إلى ذكر رتن «ثم اتسعت الفتوح في الهند، ولم يسمع له ذكر في الرابعة ولا في بعدها. ثم تطاولت عليه الأعمار بمرور الليل والنهار إلى عام ستمئة، ولم ينطق بذكره رسالة، ولا عرج على أحواله تاریخ، ولا نقل وجوده جوال ولا رحال ولا تاجر سفار» «ولعمري ما يصدق بصحبة رتن إلا من يؤمن بوجود محمد بن الحسن في السرداب ثم بخروجه إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلا أو يؤمن برجعة علي، وهؤلاء لا يؤثر فيهم علاج» «وبكل حال إبليس أسن منه !!».
وقال ابن حجر: والذي يظهر أنه كان طال عمره، فادّعی ما ادّعی، فتمادي على ذلك حتى اشتهر؛ ولو كان صادقا لاشتهر في المئة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، ولكن لم ينقل عنه شيء إلا من أواخر السادسة ثم في أوائل السابعة قبيل وفاته
قال القونوي : وهناك أمر يحسن أن أدرجه في بحث رتن هذا خطر ببالي وأنا أطالع خطط المقريزي (ت 845 هـ ) والإصابة لابن حجر رحمهما الله قد يكون تفسيرا لظاهرة ادعاء الصحبة عند رتن وأمثاله ومن جمح بهم الخيال فورطهم في ادعاءات أعظم وأشنع .
فقد ورد اسم رتن الهندي في موضع من الإصابة والخطط عن طريق شیخ قلندري لاشك في قلندریته يحكي قصة ظهور(حشيشة الفقراء) التي هي من نبات القنب أو كما كان يسميها بعض القلندرية : (لُقَيْمة ُالذكر) عند أول مستعمليها.
بيد أن الذي أظن أنه لم يلفت انتباه المصنفین رحمهما الله إلى كون ذاك الشخص الذي تحدث عنه مؤلف كتاب (السوانح الأدبية في مدائح القنبية) هو نفسه رتن الهندي أنه قد سبق اسمه لفظ (پیر) بالفارسية، وهو لقب تعظیم يعني فيما يعنيه : شيخ الطريقة، والمرشد الكامل عندهم، وهي حال رتن عند الصوفية، وأن اسمه قد كتب بشكله الآخر: (رطن)، وأنه لم ينسب إلى الهند مباشرة فيقال : الهندي. والذي أبهم الأمر أن القلندري راوي الخبر لم يذكر شيئا عن صحبته المزعومة إلا أنه أفلت من لسانه خبرا عنه وهو أنه كان في زمن الأكاسرة، وهذا ما زعمه رتن (أو رطن)، واكتفى بذكر أنه أسلم بعد، وسكت عن بقائه إلى الستمئة
فإن ثبت أن رتنا كان مثل كثير من القلندرية حشاشا فلك أن تفسر كل ما نطق به رتن من رؤيته شق القمر، وحضور حفر الخندق، والرقص في زفاف فاطمة وغير ذلك بنتاج جلسات تحشيشية في خلواته ورحلاته لدماغ كان مغرما أصلا بادعاء الصحبة ، وربما بشدة الشوق إلى زمن الصحبة.
في الصورة ضـ,ـريح رتن الهندي في الهند وهو يزار ويعبـ,د من دون الله
Baba Ratan Hindi
Tidak ada komentar:
Posting Komentar