بسم الله الرحمن الرحيم
موقف ولاة أمر المسلمين من القلندرية
ومع علمنا أن أنصار الباطل بين ذوي السلطان كثير في زمان ابن السراج، فإننا نرى في كتب التاريخ بعض من آزر أهل الحق ووقف معهم، فلعل بعض هؤلاء عمل على نفي ابن السراج بوظيفة خارج دمشق وهي توليه قضاء بهسني ومع ذلك فقد كان تأثيرهم محدود لا يذكر.
فمن أولئك جمال الدين آقوش الأفرم نائب السلطنة (ت۷۲۰هـ) والأمير سيف الدين سلار (ت۷۱۰هـ) والأمير سيف الدین جاغان المشة (ت 699 هـ ) والأمير العربي مهنا بن عيسى (ت 735 هـ).
وكان السلطان المملوكي الناصر يحترم ابن تيمية وأظن أن في فرضه عليه الإقامة الجبرية بقلعة دمشق قصد حمايته من اغتيال فقير من الفقراء القلندرية الذين عرفوا بالإرهاب والتخريب والاغتيال والله أعلم.
وقد حكى لنا ابن السراج البطائحي القلندري نفسه أن أميرا مملوكيا - لم يسمه - كانت يناقش البطائحية بقرية قطنا ويقول: هؤلاء يدعون الحكم على النار، وأنا لا أصدقهم، وأنا على مذهب فلان - العالم المعروف - الذي لم يبغ منكرا على الأولياء .. ولم يكتب اسم العالم المعروف وهو هنا ابن تيمية
ولربما يكون هذا في أن نفيا قد لحق ابن السرّاج الدمشقي بسبب اتجاهه القلندري البطائحي الذي يتضمن التسليم للمغول حينا والعمالة لهم حينا آخر لذلك سكن بهسني
وهنا نجد محمد بن محمود الخطيب الذي كان حيا سنة 683 هـ وهو صوفي لكنه كان ضد القلندرية له كتاب اسمه "فسطاط العدالة في قواعد السلطنة " في ذم القلندرية لولاة أمر المسلمين وقد أهداه للسلطان السلجوقي الرومي غياث الدين مسعود ت 704 هـ ذكر فيه أحوالهم
وشكا المؤلف بمرارة من ولاة أمر زمانه ومن عدم وقوفهم أمام بدعة الساوي وخلفائه الأربع، وأنهم لو فعلوا ذلك لما وجد الملايين منهم في أرجاء الأرض، كما أخذ على العلماء لقلة غيرتهم الدينية التي أنتجت إهمال تحذيرهم الناس منهم.
قال القونوي : وقد صدق الرجل، فإن ولاة الأمر تركوا حبل هؤلاء. وهم بالفعل يحملون حبالا - على غاربهم، فمن أشهر ملوك المسلمين الذين شجعوا هذا الصنف من الصوفية الملك المجاهد بیبرس (ت 676هـ) - غفر الله له - بل وكان محسنا إليهم، معظما لخليفة الساوي بدمشق محمد البلخي، حتى إنه
طلبه حين تسلطن، وبنى له قبتهم من مال الجامع، وكان إذا قدم دمشق أعطى الجولقية القلندرية ألف درهم، وشقتين من البسط، ورتب لهم ثلاثين غرارة قمح في السنة، وعشرة دراهم في اليوم، وكان قلندري من بينهم يدعى السويداوي يحضر سماطه ويمازحه
ولم يكن إحسانه خاصا بضرب واحد من الفقراء "القلندرية " بل كان شاملا غيرهم من الصوفية.
ولا أدل من ذلك كما ذكرنا في حلقة تاج الدين الرفاعي أن بيبرس طلبه ليقيم ويعيش عنده في سلطانه
وقد تكفلهم بالرعاية أمراء من المماليك غيره، كما كان من الأمير عز الدين أيبك الصالحي (ت 695هـ)، فكان يحسن إلى الأعاجم القرندلية، كل رمضان في مسجد له بقوص بمصر بالذبائح والتوابل والخبز وقد عرفنا أنهم في قوص آمنون وفي دعة يحششون من خبر لابن نوح ذكر فيه أن مريدا لأبي الحجاج الأقصري أقبل إلى أصحاب له . وهم هنا الأعاجم القلندرية - فأطعموه من الحشيشة حتى إنه سقط من جرائها على ترعة وكاد يموت .
وكان لهم مركز في دمياط بناه لهم أهلها كما تقدم ذكر ذلك، وما بك ما كان من تعظيمهم للجولقي حسن (ت ۷۲۲هـ) في دولتهم المملوكية وما أنالوهم من الثراء والجاه .
وأول إنكار وقع عليهم كان في زمن الأشرف موسي (ت 635هـ) عندما أنكروا على أشقائهم من الحريرية، فشملوهم بالإنكار ونفوهم إلى قصر الجنيد في تلك الآونة
و كان من أسئلة الناس لابن الصلاح عن قوم تزيوا بزي الفقر، وهم قادرون على الكسب، فمنهم من بسط سجادته في المسجد وقعد عليها وتكدّى من الناس، ومنهم من يدور ويطلب ويأخذوا بطريق الدين .. فهل يحل لهم الأخذ من الزكاة ؟ وهل تبرأ ذمة من أعطاهم زكاة ماله ؟ فأجاب بالنفي، وذكر أنهم خارجون عن طرق الأخيار، وأن على ولي الأمر إلزامهم بالكسب لقدرتهم عليه.
وسئل عن طائفة من الفقراء يسجدون لبعضهم البعض، ويزعمون أن ذلك تواضع لله وتذلل للنفس. فأجاب أن ذلك من عظائم الذنوب، ويخشى أن يكون كفرا .
ولم يسجل التاريخ نكبة شملتهم من أي حاكم مسلما كان أو كافرا في القرن السابع الهجري قط ولم يقصدهم أحد من ولاة أمور المسلمين والكفار بشر أو حرب قط
إلا ما ذكر من قتل هولاكو لجمع منهم بوطاة حران سنة 658هـ ، وذلك أنه لقيهم في طريقه ، فسأل وزيره ومستشاره النصير الطوسي قائلا: ما هؤلاء ؟ قال : فضلة في العالم " يعني شيء زائد في العالم " فأمر بقتلهم فقتلوا.
قال القونوي : وقد بدا لي من هذا الخبر أن تلك الجماعة القلندرية كانت خالية من وظيفة تجسسية أو عمل ينفع المغول ويفيدهم كحال بقية كبار القلندرية فأجابه وزیره المتفلسف بما رأيت وتمت إبادتهم .
ونقل عن المؤرخ العثماني حريري زاده أنه عدّ السلطان سليم ياووز حيدريا قلندريا لأنه حليق اللحية على عادة الحيدرية القلندرية وكذلك كافة الانكشارية لانهم بكتاشية من صنف القلندرية
Tidak ada komentar:
Posting Komentar